كيف نحبب مادة التاريخ إلى عقول الناشئة؟

كيف نحبب مادة التاريخ إلى عقول الناشئة؟

وأنا أتأمل
سؤال أحد الزملاء حول كيفية تجاوز الملل وعدم الاهتمام الذي يبديه التلميذ لمادة
التاريخ خاصة في الحصص التي تتزامن مع نهاية اليوم مما انعكس سلبا على نتائج
الاختبارات، وأحاول من خلاله أن استشف الحيرة التي تعتري المعلم أثناء اصطدامه
بالمشكل، أو بالمشاكل التي لم يكن يتوقع الاصطدام بها، وأتصور المعاناة التي
يعانيها أمثال هذا الزميل المهتمون بعملهم التربوي، الساهرون على تربية النشء وفق
الأهداف المرسومة لكل نشاط تربوي،

هذه الأهداف
التي تتضافر فيما بينها داخل النشاط الواحد، وتتكامل مع غيرها من الأنشطة الأخرى،
لتحقق الغايات العليا التي يرسمها المنهاج التربوي ليكون عليها ملمح المواطن
المتعلم في كل مرحلة من مراحل التعليم.

وجدتني أمام موضوع عميق شامل لمختلف جوانب حياة الفرد والجماعة في المدرسة،
(معلما، ومتعلما، ومؤطرا) وفي خارجها (أسرة، وجمعيات،وهيئات، ومؤسسات، ومؤ طرين)
ألا وهو" مادة التاريخ " هذا النشاط الخطير الذي يؤثر تأثيرا عميقا على
مستقبل التلاميذ، وعلى مستقبل مجتمعاتهم، وعلى مصير أممهم، ووجدت أنه لا يمكنني
الإجابة عن التساؤل المطروح إجابة مباشرة، إلا بعد أن أعرج على العوامل الرئيسة
المؤثرة في العملية التعليمية برمتها؛ في جانب مهم من جوانبها، ولأوضح الصورة بقدر
ما، ارتأيت التذكير ببعض المعالم التي أرى الإحاطة بها ضرورة ملحة للمعلم، كي يصدر
الأحكام على ما يعترضه من الظواهر، ويتوصل إلى ما يمكنه من إجابات عليها، ليست
بالضرورة هي ما يجب الوصول إليه. فما هو التاريخ ؟

-
تاريخ كل شيء من حيث المعنى اللغوي هو غايته ووقته الذي ينتهي إليه، ولهذا جاء في
المثل: "فلان تاريخ قومه في الجود والكرم " أي الذي انتهى إليه ذلك
(د/سيد عبد العزيز سالم، التاريخ والمؤرخون العرب، ص17) .
- وكلمة التاريخ من حيث الاصطلاح: تعني الزمن والحقبة...(المنجد الكبير في
الأدب والعلوم،ص 8 ).
- وتعني تعريف الوقت، أي معرفة وقت حدوث الشيء (القاموس المحيط ، ولسان
العرب بتصرف).
- قال ابن الأثير في تعريفه للتاريخ : "...إنما التاريخ حوادث قوم...
" ( الكامل لابن الأثير، المجلد 1، ص9 ).
- وهو أي " التاريخ " علم يتضمن ذكر الوقائع، وأوقاتها،
وأسبابها،...والمؤرخ هو كاتب التاريخ، قال العلامة ابن خلدون : " ...وهي أن
التاريخ إنما هو ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل..." (العلامة ابن خلدون،
المقدمة ، ص52).
- قال العماد ابن حامد الأصفهاني: " ...أما بعد، فإن التاريخ لسان يخبر
به الزمان عن عجائب الوقائع، بل أستاذ يقرر دروس الوقائع ليعيها السامع... "
(المقدمة ،ص 29 ، مرجع سابق).
- ورد في كتاب "الجامع في تاريخ العلوم عند العرب": أن العلامة
ابن خلدون هو أول من قال: " بأن التاريخ علم كسائر العلوم الأخرى، له موضوعه،
ومنهجه الذي ينتهي به إلى طائفة من القوانين العامة، التي يمكن بها تفسير الأحداث
البشرية تفسيرا علميا، يرد كل حدث إلى أسبابه وعوامله...." (د/محمد عبد
الرحمن، ص510).

طبيعة التاريخ كمادة دراسية:
التاريخ في مدارسنا مادة جافة، الهدف منها تحصيل معلومات، بعضها يكون بعيدا عن
ميول التلاميذ، بعيدا عن أذواقهم، مادة صعبة التصور في خيالهم، لأنها تصف أعمالا،
وأفكارا، ومواقفا، وأحداثا، وعواطفا، لها دوافع متنوعة، تفوق في غالب الأحيان
إدراك المتعلمين....

ما هي أهدافه؟
من بين الأهداف الخاصة بمادة التاريخ:
الإطلاع على الآثار التاريخية الموجودة في الطبيعة المحيطة بنا في كل مكان،
المتاحف العامة والخاصة و...، إكساب المتعلم القدرة على تحليل الأحداث، ومناقشة
الأفكار، وتمحيص المعلومات، وتدعيمها بالمستندات المختلفة...، إشراكهم في البحث عن
المعلومات التاريخية واكتسابها من مصادرها المتعددة والمتنوعة...، الاستفادة من
المراجع المتاحة في المتاحف والمكتبات -كتب، ومخطوطات، وصور وورشات حرفية، وتحف..،
إكسابهم القدرة على الاستفادة مما يدرسون، والإحساس بالنمو الفكري، وغرس حب الوطن
والولاء له، والاعتزاز بالانتماء إليه عن علم ووعي، ومعرفة رموز الوطن، والتمسك
بالمثل، والقيم، والعادات، والثقافة، والتقاليد الوطنية، والعمل على إبقائها حية
في النفوس، والاقتداء بالأبطال في شتى ميادين الحياة، وتعودهم على احترام الرموز
الوطنية، اللغة والدين والثقافة والقوانين وغيرها من رموز السيادة الأخرى، وعلى
احترام الملكية العامة والخاصة، وتقديم المصلحة العامة للأمة على المصلحة الخاصة
للفرد أو للجماعة..، مساعدتهم على مواجهة مشاكلهم اليومية، وإيجاد مخارج منها...،
تأهيلهم لتحمل المسؤولية، واتخاذ المواقف الواعية أمام مستجدات الأحداث، وتمكينهم
من التمييز بين الآراء المتعددة؛ واتخاذ مواقف مناسبة تجاهها... ، ترسيخ الحاسة
التاريخية المساعدة على تصور الحدث، وربطه بالزمان، والمكان، والواقع الاجتماعي،
والتدرج بهم إلى معرفة الماضي بأبعاده، القريب، والمتوسط، والبعيد، الشخصي،
والاجتماعي، والمعنوي..، بالإضافة إلى الأهداف الخاصة بكل موضوع من المواضيع
المقررة في البرنامج الخاص بكل مستوى وكل طور...

الطريقة التربوية الأنسب لتدريس مادة التاريخ:
الأسباب الموضوعية لاختيار الطريقة التربوية التي يتبعها المعلم في تدريسه
لتلاميذه تفرضها طبيعة المادة، ومستوى المتعلم، والغاية المراد تحقيقها من النشاطات
الممارسة.
- إن عماد الطريقة هو المعلم، فالطريقة الجيدة تسوء في يد المعلم غير
المتمكن،لأنه يطمس معالمها، ويقتل مزاياها، والعكس صحيح..قال الشاعر:
إن السلاح كل الناس تحمله*** وليس كل ذوات المخلب السبع
* من الأنسب إتباع الطريقة النشيطة في تدريس هذه المادة، هذه الطريقة التي تكون
مبنية أساسا على رسم خطة واضحة المعالم في تقديم الدروس "التاريخية "وفي
غيرها من النشاطات الشبيهة بها تتمثل فيما يلي :
- تحديد المشكل (الموضوع ) المطروح للدراسة وضبطه.
- تحديد الفرضيات، وتبسيطها، وتقديمها في الشكل المناسب لمستوى التلاميذ.
- تحديد الوسيلة الناجعة التي تسهل مهمة المدرس في تبليغ المعلومات، والقدرة
على توظيف الوسائل السمعية والبصرية المتاحة.
- تحديد كيفية جمع المعلومات واستغلالها ( ملاحظة، تحليل، وصف
،مقارنة،تفسير،استنتاج ،وتقييم، تعريفهم على طريقة البحث (رسم خطة) وأين يجدونها،
وكيف يجمعونها، وكيف يصنفونها...
- إكسابهم الخبرة التي تمكنهم من القدرة على تقديم أعمالهم في شكل عروض (
كتابية أو شفوية )، وتعويدهم على العمل الجماعي، وإكسابهم القدرة على التفكير
النقدي، وعلى حل مشاكلهم في جو تسوده الحرية والديمقراطية...
- إشراك التلاميذ في تقييم أعمالهم بأنفسهم، وتعليمهم إصدارا لأحكام
الموضوعية المناسبة للنتائج المحققة، والتنويه بالنتائج الإيجابية، وتقديم توجيهات
مناسبة لكل حالة...
- تدريبهم على البحث والمطالعة والتوثيق، بذكر المراجع، وتعليمهم مراعاة
الأمانة العلمية في نقل المعلومات...

* من خلال
الملاحظات التي أبداها الأستاذ الكريم الذي طرح السؤال والمتمثلة في : جو الملل
والتعب الذي ساد التلاميذ في نهاية الفصل الأول وفي مادة التاريخ على وجه الخصوص،
دون غيرها من المواد الأخرى، وهذا ما أكده الأستاذ المحترم بتخصيصه المادة وذكره
لبعض خصائصها، وفي ظهور تراجع نقاط التلاميذ المحصلة خلال الاختبار( فهمت منها
الاختبار الفصلي ) ، وقد يكون يعني الفروض والواجبات ، ونتائج التقويم المستمر
والاختبار الفصلي، وطرحه الإشكالية في شكل حيرة لمعرفة السبب: أهو لطبيعة المادة
المجردة ؟ أي الجافة، ولطول البرنامج ؟

فإنني أرى أن
التخطيط الدقيق للدروس، وإخضاعها في الترتيب والتقديم والتأخير لواقع التلميذ
البيئي والاجتماعي، ولمحيطه الطبيعي،ولمستواه التحصيلي، وتوفير الوسائل والأدوات
المناسبة، التي تمكن من تبسيط المعلومات وتقديمها مترابطة فيما بينها، والتحكم في
الأساليب التربوية المرتبطة بعلم نفس الطفل، وانتهاج الطريقة التربوية النشيطة
الحية الملائمة للمادة (النشاط)، ولميول التلاميذ ورغباتهم، هي التي تكفل القضاء
على الملل، وتأخذ بألباب التلاميذ، وتجعلهم يتشوقون للمشاركة الإيجابية في بناء
معارفهم، وتعميق معلوماتهم،يتعلمون من كل درس ما يساعدهم على الاستفادة من لاحقة،
كما أن حسن توظيف المواد في تعضيد بعضها بعضا، بطريقة تكاملية هادفة، يجردها من
بعض الخصوصيات التي تجعلها جافة أحيانا، ويجعل التلاميذ يحسون بفائدتها التي تكون
خافية

عليهم أثناء
دراستها مجردة عن غيرها من المواد الأخرى.
أما طبيعة المادة فهي ليست في كل الأمور مجردة جافة، فالوقائع والأحداث تقع في
الزمان والمكان وتبقى بعض معالم الحدث بارزة للعيان أحيانا، أو موثقة بالنص، أو
بالصورة،أو بالرسم ،أو بالنحت، أو بالصوت أوبا لأثر... أوبها جميعها، خصوصا في هذا
العصر، فهي لا تحتاج إلا الإلمام بالتوجيهات والإخلاص في الأعمال لتتغلب على
الكثير من الصعوبات.

أما طول
البرامج فالأمر فيه يخضع لملامح يحددها واضعو المناهج والبرامج، ولكنهم يخضعونها
للظروف المحيطة بالعملية التربوية يتصرف فيها المشرفون على التنفيذ، القادرون
وحدهم على ذلك.أما تراجع مستوى تحصيل التلاميذ الذي يعبر عنه ضعف نقاطهم في
الاختبارات، فهو وليد كل العوامل التي أشرنا إليها من بداية العرض.

» فضل علم التاريخ
» البحث في منهج التاريخ
» الإسلام وثقافة التاريخ
» كتاب ينصح بقراءته ( حقبة من التاريخ ) اقرأ وانشر